الحوسبة الكمية: ثورة تقنية وتحديات مجتمعية

lvl220240128095921966

 

علي أبو الحسن

في العقود الأخيرة، شهد العالم تطوراً مذهلاً في مجال التكنولوجيا، وكانت الحوسبة الكمية إحدى أبرز هذه التطورات. هذا المقال يقدم نظرة شاملة عن الحوسبة الكمية التي هي مجال ناشئ من علوم الكمبيوتر ومقارنتها بالحوسبة الكلاسيكية، ويبحث في تاريخها، استخداماتها، الدول الرائدة في هذا المجال، وإمكاناتها وتحدياتها، خاصة عند دمجها مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.

الحوسبة الكمية تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم لمعالجة المعلومات، حيث تستخدم الكيوبتات (Qubits) بدلاً من البتات التقليدية. هذه الكيوبتات تمتلك القدرة على تمثيل الصفر والواحد في نفس الوقت، مما يمنح الحواسيب الكمية قدرة هائلة على معالجة البيانات.

وبمقارنة سريعه بين الحوسبة الكمية والكلاسيكية نجد أوجه الشبه بينهما من خلال الهدف إذ أنَ كلاهما يستخدم لمعالجة البيانات وتنفيذ العمليات الحسابية ومن خلال الأساسيات التي تقوم عليها حيث أنَ كلتا التقنيتين تعتمدان على مفاهيم الحساب والبرمجة. بينما أوجه الاختلاف يمكن تلخيصها كالآتي:

طريقة تخزين البيانات: الحواسيب الكلاسيكية تستخدم البتات لتخزين المعلومات، بينما الحواسيب الكمية تستخدم الكيوبتات.

السرعة والكفاءة: الحواسيب الكمية تتفوق بشكل كبير في السرعة والكفاءة، خاصة في مجالات مثل التشفير الإلكتروني ومعالجة البيانات الضخمة.

المبادئ الفيزيائية: الحوسبة الكمية تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم مثل التداخل والتشابك.

وتعود جذور الحوسبة الكمية إلى أواخر القرن العشرين، حيث بدأت الأبحاث في هذا المجال تتطور بسرعة مع تقدم الفهم العلمي لميكانيكا الكم (هي مجال في الفيزياء يدرس سلوك الجسيمات على المستوى المجهري)، هذا وقد تنوعت استخدامات الحوسبة الكمية في مجالات متعددة منها الأمن السيبراني حيث يتم تطوير أنظمة تشفير أكثر تعقيداً، وفي البحوث العلمية مثل تصميم الأدوية والبحث في الفيزياء، وفي معالجة البيانات الكبيرة خاصة في تحليلات البيانات الضخمة والتعلم الآلي، وتعد سبب النجاح في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ومجموعه من التطورات التكنولوجية، ومن الجدير بالذكر أن هذه التقنية ساعدت في حل المشاكل الرياضية الصعبة والمستعصية ومعالجة أفضل للمعلومات بشكل أدق وأسرع حيث أثبتت شركة غوغل في العام 2019 أن الحواسيب الكمومية يمكن أن تحل بعض المشاكل التي تواجهها خلال دقائق، بينما الحواسيب التقليدية تحتاج إلى 1000 عام لحل مثل هذه المشاكل.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين الدولتان الأكثر ريادة في هذا المجال، مع استثمارات كبيرة في البحث والتطوير. وقد برزت قدرات ومزايا الحوسبة الكمية من خلال السرعة حيث تمتلك الحوسبة الكمية قدرة عالية على معالجة البيانات بسرعات فائقة، وفي حل المشكلات المعقدة حيث لديها القدرة على حل مشكلات تعجز عنها الحواسيب الكلاسيكية، وكذلك في الدِّقَّة في مجالات مثل المحاكاة الكمومية والبحوث العلمية وفي المجالات العسكرية والإستخبارية والرادارات التي تتطلب جمع ومعالجة وتقاطع البيانات الضخمة من مصادر مختلفة.

في عام 1998، قامت مجموعة من العملاء من مؤسسات مختلفة من ضمنهم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بإنشاء أول كمبيوتر كمي (2 كيوبت) قادر على تحميل البيانات وإخراج حل، وظهر أول كمبيوتر كمي تجاري في عام 2019، وكان اسمه “IBM Q System One”. لم تعلن IBM عن كلفته الفعلية للعامة، وبدلاً من ذلك، أتاحت الوصول إلى تقنيات الحوسبة الكمومية من خلال السحابة، مما يتيح للباحثين والشركات استخدام قدرات الحوسبة الكمومية عبر الإنترنت بدلاً من شراء الجهاز مباشرة. يُذكر أن تكلفة البنية التحتية والتطوير لمثل هذه الأنظمة الكمومية مرتفعة جدًا، ولكن لا تتوفر أرقام محددة للجمهور حول تكلفة إنتاج “IBM Q System One”.

مع هذه القدرات يبرز موضوع التحديات والسلبيات التي تنشأ عن تقنية الحوسبة الكمية من خلال التكلفة العالية في تطوير وصيانة الحواسيب الكمية، وكذلك في الأثر البيئي إذ أنّ الحواسيب الكمية تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة جداً وكذلك في الاستقرار حيث أنَ الكيوبتات حساسة جداً للتغيرات البيئية، و غالبًا ما تأخذ التصميمات الحالية لأجهزة الكمبيوتر الكمومية شكل الثريا من أجل تلبية متطلبات التبريد القصوى.

وعند دمج التقنيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مع تقنيات الحوسبة الكمية تظهر مخاطر هذه التقنيات جلية إذ تزداد القدرة على معالجة البيانات الكبيرة وتزداد المخاوف حول الخصوصية الشخصية إذا أنّ لهذه التقنيات مجتمعه قدرة أكبر على تحليل البيانات الشخصية، وعلى اختراق أنظمة التشفير الحالية وبالتالي تزداد المخاوف من استخدام هذه التكنولوجيا في الرقابة والتحكم.

ومع تطور الحوسبة الكمية، تظهر إمكانيات جديدة وتحديات غير مسبوقة في مجال الأمن السيبراني، خاصة فيما يتعلق بالتجسس واختراق الأنظمة البيومترية. الحواسيب الكمية لديها القدرة على فك تشفير الأنظمة الأمنية المعقدة بسرعات لا تُصدق، مما يمكنها من تجاوز الحماية البيومترية مثل التعرف على الوجه، البصمات، الصوت وقزحية العين والتحققات الأمنية التقليدية بكفاءة عالية، كما يمكن استخدامها أيضًا لتحليل البيانات الشخصية بشكل أكثر دِقَّة، مما قد يسمح بتحديد الهوية أو التنبؤ بسلوك الأفراد.

في مجال التجسس، تمنح الحوسبة الكمية القدرة على جمع وتحليل البيانات بطرق لم تكن ممكنة من قبل، حيث يمكن استغلال هذه القدرات لاختراق الشبكات السرية، جمع المعلومات الاستخباراتية، وحتى تعقب الأفراد من خلال بياناتهم البيومترية. هذا الأمر من شأنه أن يثير مخاوف كبيرة بشأن الخصوصية وسلامة الأفراد، حيث يمكن للجهات الفاعلة استخدام هذه التقنيات لغرض التجسس وجمع المعلومات دون علم أو موافقة الأفراد.

هذا التطور يدفع إلى ضرورة تطوير أنظمة أمان جديدة وأكثر تقدماً قادرة على مواجهة تحديات الحوسبة الكمية. إذ أنَ الحاجة ماسة لتطوير تقنيات تشفير كمي، ونظم حماية بيومترية أكثر تعقيداً ودقة، لضمان استمرارية الأمان والخصوصية في عصر الحوسبة الكمية.

وإذا أردنا أن نتوسع أكثر في جوانب حساسة ومعاصرة، يبرز التأثير المتعدد الأبعاد للحوسبة الكمية على مختلف جوانب الحياة، فمثلاً في مجال الرعاية الصحية والطب، توفر الحوسبة الكمية إمكانات غير مسبوقة لتطوير الأدوية والتحليلات الجينية. يمكن أن تسهم في فهم أفضل للأمراض المعقدة من خلال محاكاة التفاعلات الكيميائية والبيولوجية بدقة عالية، مما يساعد في تصميم علاجات مخصصة للمرضى.

ويمكن استخدام الحوسبة الكمية في مواجهة التحديات البيئية والتغير المناخي. بقدرتها على معالجة البيانات الضخمة، يمكن للحوسبة الكمية أن تساعد في تطوير نماذج مناخية أكثر دِقَّة، وتساهم في تحسين كفاءة الطاقة، واستكشاف طرق جديدة للحد من الانبعاثات الكربونية.

ومع تزايد الاعتماد على الحوسبة الكمية، تظهر تحديات أخلاقية مهمة. يتضمن ذلك قضايا مثل التحكم في البيانات، الخصوصية، وتأثير الأتمتة على سوق العمل. من المهم موازنة التقدم التكنولوجي مع الحفاظ على القيم الإنسانية والأخلاقية.

يعتبر هذا المقال مقدمة موجزة لعالم الحوسبة الكمية وتأثيرها المتنوع. إذ أنه مع تطور هذه التكنولوجيا، من المهم فهم تأثيراتها وإمكانياتها بشكل شامل للتأكد من استخدامها بطريقة مسؤولة ومفيدة للبشرية، إلى جانب معرفة ما تأتي به أيضاً من تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالأمن والخصوصية.

 

قد يعجبك ايضا