فوز أيقونة اليسار لولا.. “العرس بالبرازيل والعزاء عند ترامب”
د. علي دربج – باحث ومحاضر جامعي
أصبح بإمكان رئة العالم (غابات الامازون) أن تتنفس بدورها هواء التحرر من نير الديكتاتور الرئيس البرازيلي الحالي جايير بولسونارو الذي تلقى هزيمة كبرى من الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في الدورة الثانية من الانتخابات التي كانت أجريت الأحد الفائت ـ حصل فيها لولا على 50.90 % مقابل 49.10 % لبولسونارو ـ ليفوز بولاية ثالثة على رأس أكبر دولة في المنطقة، متوجًا بذلك عودة سياسية لافتة بعد أقل من ثلاث سنوات من خروجه من زنزانة السجن.
لكن مهلًا، هذه ليست كل القصة، فالخسارة المدوية لرجل وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، بولسونارو، لم تقتصر على شخصه وفريقه وأنصاره وحدهم، بل إن امتداداتها وصلت إلى الولايات المتحدة، إذ نزل خبر فوز لولا، كالصاعقة على المحافظين الجمهوريين خصوصًا الرئيس السابق دونالد ترامب ودائرته المقربة، بحيث أصبح ينطبق عليهم القول التالي: “العرس بالبرزايل، والعزاء بمنزل المحافظين الجمهوريين”.
من هو لولا؟ وكيف كانت نشأته؟
ولد لولا في بيرنامبوكو، في الشمال الشرقي للبرازيل. كان والداه مزارعين لا يستطيعان إطعام أطفالهما الثمانية. في سن السابعة، انتقلت والدته وأشقاؤه الستة إلى ولاية ساو باولو بحثًا عن حياة أفضل، واستقرت العائلة أولًا في مدينة سانتوس الساحلية، ثم عادت بعد ثلاث سنوات إلى عاصمة الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان.
أثناء وجوده في ساو باولو، ترك لولا المدرسة ليمتهن مهنة تلميع الأحذية، ثم حصل لاحقًا على وظيفة في مصنع. وهناك فقد إصبعه الصغير في حادث آلية، عندما كان في السابعة عشرة من عمره.
ماذا عن حياته المهنية؟
بدأ لولا حياته المهنية في النشاط النقابي في أوائل العشرينيات من عمره. وفي سن الخامسة والعشرين، مُني بنكسة كبيرة على اثر فقدانه زوجته لورد التي كانت حاملًا نتيجة التهاب الكبد. لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة عمله كقائد نقابي، حيث جرى انتخابه رئيسًا لنقابة عمال المعادن القوية في عام 1975. في تلك الفترة نظم لولا عدة إضرابات تحدّت الحكومة الديكتاتورية في البرازيل، مما عزز صورته كرمز للديمقراطية والحركة العمالية، وأدى ذلك إلى مقارنات مع ليخ فاليسا البولندي.
كيف أصبح لولا رئيسا؟
في العام 1980، أسس لولا ومجموعة من العمال والمثقفين والفنانين حزب العمال، ردًا على النظام العسكري الديكتاتوري، وهو حزب يساري تعددي، جمع بين النقابيين والمثقفين والفنانين وممارسي لاهوت التحرير، من بين آخرين.
ترشح لولا للرئاسة ثلاث مرات قبل أن ينتخب في عام 2002، ليصبح جزءًا من المد الوردي السياري في أمريكا اللاتينية. خلال فترة حكمه، تمتعت البرازيل بطفرة اقتصادية ناجمة عن زيادة طفيفة في الطلب العالمي على السلع الأساسية، كما اتبع خلال المدة التي قضاها في منصبه، برامج الرعاية الاجتماعية الضخمة، التي انتشلت الملايين من الفقر.
دفعت هذه النجاحات خصوم لولا إلى تلفيق تهم بالفساد له، أدخل بسببها السجن عام 2017. غير أن التهم الموجهة إليه، أُلغيت في العام 2019 (كان أمضى 580 يومًا في السجن) بعدما رأت المحكمة العليا، أن قاضي المحاكمة سيرجيو مورو كان متحيزًا ضد لولا.
ما هي انعكاسات فوز لولا على اليسار الصاعد في أمريكا الجنوبية؟
انتصار لولا الذي شغل فترتين رئاسيتين من 2003 إلى 2010، أعاد عملاقًا يساريًا من جنوب الكرة الأرضية إلى المسرح العالمي، حيث سيقف صوته التقدمي في تناقض حاد مع صوت الجناح اليميني المتطرف التابع لامريكا الرئيس جاير بولسونارو. بالنسبة لأمريكا اللاتينية، تضاف عودة لولا إلى قصر بلانالتو العملاق الإقليمي إلى سلسلة انتصارات اليسار: ينضم لولا إلى فريق من القادة الذين تفوقوا الآن على اليمين السياسي في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء المنطقة، في كل من: كولومبيا وتشيلي وبيرو وهندوراس والأرجنتين والمكسيك. كما يضع انتصاره حدًا للسباق الرئاسي الأكثر أهمية وتوترًا في البرازيل منذ عقود، خصوصًا أنه تعهد بالدفاع عن الديمقراطية، واستعادة العدالة الاجتماعية، فضلًا عن إنقاذ غابات الأمازون المطيرة.
هل تقبّل فريق بولسونارو الهزيمة؟
أثار فريق الرئيس الحالي المهزوم بولسونارو مزاعم حول تزوير انتخابي. ومع أنه لم يتضح ما إذا كان بولسونارو سيقبل الخسارة أم لا، لا سيما وأنه التزم الصمت علنًا، لكن ذلك لم يمنع ظهور بعض الاحتجاجات القليلة على خسارته.
اللافت، هو ضعف الاستجابة المنظمة من الموالين لبولسونارو. ولم تصدر أي أصوات مهمة من اليمين المتطرف في البرازيل، أو ادعاءات حول التلاعب بالانتخابات رغم أن بولسونارو وأنصاره كانوا مهّدوا للطعن في الخسارة منذ شهور، باطلاقهم مزاعم عن امكانية حدوث التزوير.
حتى أن كارلا زامبيلي المشرّعة اليمينية المتطرفة والحليفة المقربة لبولسونارو، أقرّت بالهزيمة، ونشرت على “تويتر” تغريدة قالت فيها: “أعدك، سأكون أقوى معارضة يتخيلها لولا على الإطلاق”.
المفارقة الأكبر أن القاضي مورو، الذي كان سجن لولا (وشغل منصب وزير عدل) اعترف بالهزيمة، حيث كتب على “تويتر”: “الديمقراطية هكذا، لا يمكن أن تتجاوز نتيجة الانتخابات واجب المسؤولية الذي نتحمله مع البرازيل. دعونا نعمل من أجل اتحاد أولئك الذين يريدون خير البلد. سأكون دائمًا إلى جانب ما هو صواب”.
لماذا تعتبر خسارة بولسونارو هزيمة لليمين الجمهوري الأمريكي خصوصًا فريق ترامب؟
أصابت هزيمة بولسونارو المحافظين الجمهورييين في أمريكا بالخيبة والنكسة، وأشعرتهم بالمرارة، خصوصًا أن الرئيس الديكتاتور البرازيلي اليميني، يُعدّ الحليف القوي لترامب، الذي لم يتوانَ مع عدد من القيادات الجمهورية، عن تقديم كافة سبل الدعم والمشورة لبولسونارو، حتى قبيل فترة الانتخابات بحوالي العام.
ولهذه الغاية، أقام العشرات من حلفاء ترامب علاقات مع عائلة بولسونارو على مدى السنوات الأربع الماضية. أيضًا، يستخدم أنصار كلا الرجلين نفس الروايات والتكتيكات والمنصات لتشويه سمعة الديمقراطية، حتى أن بولسونارو يُلقب “بترامب المناطق المدارية”.
وفي اليوم التالي بعد اعلان المحكمة العليا البرازيلية فوز لولا في الجولة الأولى في ايلول الماضي، انتقل ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابقين لترامب وصديق عائلة بولسونارو، إلى البودكاست الخاص به، لإثارة مزاعم حول تزوير الانتخابات. وانضم إلى بانون ماثيو تيرماند، عضو مجلس إدارة مشروع فيريتاس ـ وهي مجموعة أمريكية فقدت مصداقيتها تستخدم الكاميرات الخفية “لفضح” الصحفيين اليساريين المفترضين ـ ودارين بيتي، كاتب خطابات ترامب السابق الذي أقيل في عام 2018 بعد أن تبين أنه التقى بالقوميين البيض قبل عامين.
علاوة على ذلك، ارتبط إدواردو بولسونارو الابن الثالث للرئيس وعضو في مجلس النواب البرازيلي، بعلاقات وثيقة مع المحافظين الأمريكيين، إذ عين بانون، إدواردو ممثل أمريكا الجنوبية لمنظمة تابعة للمحافظين، وهي منصة للأحزاب السياسية اليمينية.
ليس هذا فحسب، سافر المحافظون الأمريكيون المؤثرون أيضًا إلى البرازيل لدعم بولسونارو. ولهذا عُقد اجتماع سري في ايلول/ سبتمبر 2021، مع تراجع شعبيته التي تلاحقها اتهامات بالفساد. الأكثر أهمية، أن المحافظين الأمريكيين قدّموا المشورة السياسية للرئيس. وعقّب على ذلك السفير الامريكي السابق لدى البرازيل توماس شانون بالقول: “ليس لدي شك في أن المستشارين السياسيين الأمريكيين يقدمون النصيحة لبولسونارو.. وإلا فلماذا يقضون الوقت هناك؟ إنهم ليسوا على الشاطئ يشربون الكايبيرينيا”.
وعلى المنوال ذاته قال تشارلي جيرو، الخبير الاستراتيجي الجمهوري ونائب رئيس الاتحاد الأمريكي للمحافظين لوكالة Agência Pública: “كل من يتابع السياسة البرازيلية، يصلي كل يوم من أجل بولسونارو للفوز في الانتخابات”.
إضافة الى ذلك، رعت شبكة Gettr الاجتماعية الأمريكية لحرية التعبير التي يديرها المتحدث السابق باسم دونالد ترامب جيسون ميللر، على مدار العام الماضي، العديد من الأنشطة والمؤتمرات السياسية في البرازيل، وقد هدفت الى تقديم الدعم الى حملة إعادة انتخاب بولسونارو بشكل غير رسمي. وصفت هذه المؤتمرات بـ “حملات انتخابية متوقعة”.
في المحصلة، إن أي ادعاء بتزوير الانتخابات من قبل بولسونارو وفريقه، وحلفائهم الجمهوريين في امريكا، سيكون باطلًا، وذلك بالاستناد إلى شهادة وزارة الخارجية الأمريكية (المعادية للرئيس لولا) التي تعتبر أن نظام التصويت الإلكتروني في البرازيل الذي لم يسجل مطلقًا أي حالة احتيال منذ تقديمه في عام 1996 “نموذج لدول نصف الكرة (الغربية) والعالم”.
إضافة الى ذلك أشارت بعثات مراقبة الانتخابات من منظمة الدول الأمريكية والمعهد “الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية” و”مركز كارتر الأمريكي” إلى أن التصويت كان ديمقراطيًا، وعُقد بشفافية وسلمية.